Tuesday 8 February 2011

وبدأ الاصلاح حثيثا




إن مايحدث حاليا من الاختلاف الحاد في الأراء حول حل الخروج من هذه الأزمة لا ينفي توحد الهدف الذي نسعى اليه جميعا مابين ضيقي الأفق والمتفتحين وهو تحقيق الاصلاح السياسي الشامل مما سيحقق الاصلاح في جميع المجالات الذي بدوره سيحقق التقدم الحقيقي الملموس والرخاء الاقتصادي وإن اختلفت الاراء في كيفية تحقيقه.

وقد يختلف البعض في تعريف الحكومة الوطنية التي ستأخذ على عاتقها مهمة تحقيق ذلك الاصلاح، لكن ذرنا نفترض أن حكومة وطنية ما، قد لاقت بمعجزة ما استحسان الشعب كله ، ورضي بها كل الاطراف (وهو درب من دروب الخيال العلمي في ظل المراهقة والإحداث السياسي الذي يعانيه الشعب المصري حاليا (لكن من فضلك ذرني افترض ولا تقاطعني، فلا احد يحب الذين يقاطعون مقالا مكتوبا ... اين كنا ؟ انظر ماذا فعلت بمقاطعتك... آه نعم ، لقد قلنا ان حكومة خيالية ما اخذت على عاتقها مهام الاصلاح – وعسى أن يكون قريب – وبدأت بالفعل في اختيار الاصلح لمصلحة الوطن ، وهنا – خير اللهم اجعله خير – قابلت حكومتنا الهمامة مشكلة من نوع فريد ، وهي اصلاح من لم يروا في حياتهم غير الفساد، فلا يعرفون للاصلاح طعم ولا لون، وتسمى هذه الحالة: الاصلاح رغم انف الشعب !!

بعد عدة ايام من تعيين حكومتنا المجيدة في احد المكاتب في قسم شرطة العجوزة ، يدور هذا الحوار بين الاستاذ محمد – موظف في القسم– وطارق بيه –عقيد شرطة منقول من قسم الزاوية الحمرا– … ماتيجوا نشوف ؟؟
- يا طارق بيه في منشور رسمي جديد جاي من وزارة الداخلية ..
تعلو نظرة الاحباط على وجه طارق بيه وهو ينظر إلى لفافة الطعمية التي أمامه وكأنما القي في وجه صرصور ، ثم يضيف في حنق :
- هو الوزير ماباقلهوش يومين متعين، وهايبدأ يتنطط علينا ؟
- بيقولك يا سيدي لازم حضور محامي المشتبه فيهم لدى استجوابهم
ينظر اليه طارق به وهو يلوك ورقة الفجل في فمه
- مين المشتبه فيهم دول يا محمد افندي ؟
- المجرمين يعني يا طارق بيه.. اللي انتو شاكين فيهم يعني
- ولما احنا شاكين فيهم مايقول مجرمين وخلاص … ثم يرشف رشفة كبيرة جديرة بسيد قشطة ذاته من كوب الشاي الخاص به ويضيف:
- وبعدين المحامين دول هينضربوا معاهم ولا هايتفرجوا بس ؟
- لا يا طارق بيه مفيش ضرب خالص، بيقولك اسلوب التحقيق حيختلف
يضع طارق بيه الكوب من يده في استنكار وهو يقول :
- ولما احنا مش هنضربهم، هنخليهم يعترفوا إزاي ؟؟
- المنشور بيقولك مش لازم يعترفوا
- علت نظرة البلاهة على وجه الظابط ، وقال بتعجب :
- امال هنحبسهم من غير مايعترفو ؟ تصدق الوزير ده طلع بيفهم !
- لا يا طارق بيه.. ده لازم دليل عشان تحبسهم
- يابني أُمّال الاعتراف ده إيه... الاعتراف ده سيد الأدلة ، قالها وهو يلوح بيده في تعبير ثقة من تعبيرات عادل امام في مسرحية الزعيم عندما قال "لسة الرئيس هيتف بذر البطيخ ؟"
- قال الاستاذ محمد في نفاذ صبر :
ياطارق بيه افهم.. ده أنت سيدي المفهومية كلها ، لازم المجرم يعترف بمزاجه ، ولومعترفش لازم تجيب دليل يثبت إنه هو اللي عمل الجرم ده
- قال في ارتياح : تلفيق يعني ؟ طب ماتقول كده من الصبح يا راجل...
- لا يابيه ابوس ايدك افهم، دليل ده يعني المخدرات الي مسكتها معاه، سلاح الجريمة... كده يعني
- وهو هيشيل معاه مخدرات ليه طالما مش احنا اللي حاطينهاله ؟؟
- قال محمد افندي وقد اوشك ان يموت بانفجار شريان ما: عشان بيبيع فيها !!
- مضت لحظات والظابط لا يبدو عليه علامات الفهم على الاطلاق … ثم قال اخيرا : هو احنا هنقبض على تجار المخدرات كمان ؟؟

أثناء محاولة الظباط لفهم طلاسم ماجاء في منشور وزارة الداخلية، جاء منشور اخر من وزارة الاعلام إلى معدي اخبار القناة الاولى المصرية ، ودار هذا الحوار بين احمد وسها احدى المشاركين في الاعداد …
- سها إنتي قريتي المنشور بتاع وزارة الاعلام ده ؟
- أيوه قريتوا يا احمد بس مش فاهمة أي حاجة.. احنا ازاي هنقول الاخبار منغير ماحد من الحزب يقولنا نقول إيه ؟
- يمكن قصدهم هناخد كلام كذا وزير ونحطه على بعض
- لا بيقولك هنا إن احنا ننقل نبض الشارع
- قال ساخرا: ايوة يعني الناس اللي في الشارع هايتصلوا بينا واحد واحد ويقولولنا نقول إيه يعني ؟
- مش عارفة يا احمد... ده حتى بيقولك هننقل الحقيقة كما هي من غير تحيز … بس مش قايلين مين اللي هايقولهلنا
- رد في غضب: الناس ديه كبرت وخرفت... مش عارفين الشغل بيتعمل إزاي بلاش يفتوا
- بص على الحتة ديه... بيقولك وتنقل الاخبار من مصدرها بدون أي تعتيم
- ضاقت عيني احمد وقال : يكونش قصدهم … ثم تبادلا النظرات في رعب وقالا في صوت واحد مبحوح يكاد يتحول إلى صراخ:
- ننزل الشارع ؟؟!!

وبينما يحاول الموظفين فهم نظم العمل الجديدة، والبلطجية طريقة الكسب الحلال، فكل تلك الأمثلة كانت لاجزاء من النظام الفاسد يحاولون اعادة التأقلم مع النظام ،ولكن للاسف فان الفساد كان متفشيا بحيث يصعب حتى على المواطنين الشرفاء اجتنابه، فتأقلموا معه اما رغما عنهم، أو تسليما له، أو جهلا منهم … فهذا عبدالغفور القادم من اسيوط إلى القاهرة لاستخراج اذن ضابط الاتصال ليزور اخاه في الكويت، فتراه تائها امام مجمع التحرير فتضطره الحيرة لسؤال متولي شرطي المرور…

- بجولك يادفعة، أنا عايز مكتب ضابط الاتصال عشان راح اسافر عاخوي
- ماخلاص يا بلدينا، مبقاش في مكتب … كله بقي الكتروني دلوقتي
- الكتروني ؟.. طب وفين الطابور تبعه ديه ؟
- طابور إيه يا بلدينا، الكتروني يعني تعملها من بيتك... أو من الأجهزة اللي في وش المجمع ديه
- واه ؟ والمكنة راح اديها سجاير بردك ؟
- سجاير ؟ سجاير ليه يا جدع إنت ؟
- عشان تخلص الشغل … متفتح نافوخك أُمّال … الشغل هيخلص إزاي من غير كام سوجارة وكام دمغة و20 30 جينيه ؟
- يا بلدينا افهم.. الجهاز ده كمبيوتر .. يعني هيخلصلك كل اللي إنت عايزه في ثواني وفي حتة واحدة منغير مايطلع عينك معاه
- استغفر الله العظيم... إنت عايزني ازور ورجي يا جدع إنت ؟؟ إنت مابتخفش ربك ؟
- يا حاج تزوير إيه ؟ استرضى بالله كده واهدى... الحكومة يا سيدي حبّت تسهل عالناس فخلت كل حاجة من الكمبيوتر
- اباه.. أنت هتجنني يا جدع إنت ؟ الحكومة عايزة راحتنا إزاي يعني ؟ إنت شكلك نصاب وحرامي... جدامي عالجسم
- دانتا كمان مش محتاج تروح القسم... لو اتصلت بـ122 هيبعتلك اقرب آمين شرطة ليك
- يا جدع اتجي الله … ده الكدب خيبة !!

في النهاية قد يكون هذا العرض دربا من دروب الكوميديا السوداء ، لكنه بالفعل قريب من الواقع .. هناك نظام فاسد افسد كل أطرافه، حتى فقدوا القدرة جميعا على التعامل في بيئة نظيفة، لكن المصريين معروفين بالمرونة والتأقلم ، اضف على ذلك الرغبة في التغير والاصلاح فستجد الاطراف وقد استقامت لاستقامة النظام، قد ياخذ هذا بعض الوقت، لكنه سيحدث، وهي نتيجة متوقعة لتغير اعلى الهرم مع رغبة اسفله لذلك، على عكس تماما من بدء التغير من اسفل الهرم، فيمكن للاخوة المؤمنون بنظرية “اظبط نفسك وهي تظبط" أن يتخيلوا معي مقلوب تلك السينريوهات، فكم من موظف رفض أن يقبل الرشوة ، فاتهمه المرتشين بداءهم، وكم من شرطي رفض الفساد ، فلم يستطع الحياه بـراتب لا يتجاوز الألف والنصف بعد خدمة 20 سنة في جهاز الشرطة، لقد كانت النزاهة في حلاكة الفساد شديدة الصعوبة، دعك حتى من اصلاح ذلك الفساد من الاسفل... قد ياخذ الاصلاح وقتا كي يحدث، لكنه قادم لا محالة، وقد نكون بذلنا في سبيله الكثير ، لكن الاصلاح والحرية والديمقراطية من ابهظ السلع على مر العصور... اخوتي المصريين، لا تيأسوا من خراب قد حل بنا، أو مؤمرات قد تحاك لنا ، فغدا سننظر إلى هذا الثمن ، ونقارنه بريع ماابتعنا، وسنعلم حينها أن نجح البيع، وأحسنا اختيار الصفقة… اخوتي المصريين، اصبروا فإن غدا لناظره قريب .

Photo was taken by me on the 28th of January 2011, the Friday of anger, while a group of youth was taking over a police truck.