Showing posts with label Egypt. Show all posts
Showing posts with label Egypt. Show all posts

Thursday, 14 August 2014

نني عينيها من جوه - قصة قصيرة

انفتح باب التخشيبة ببطء وطلت منه الرأس العملاقة للشاويش.. وقف برهة ساكنا كأنما تذكر كرهه للمكان، أو ربما تذكر كرهه ليومه أو حياته كلها.. مرت ثواني وبعدها عاد بنظره للمتهمين الجالسين على أرض التخشيبة ونادى بصوت جهوري رتيب "خالد ناااصر". تحرك أحدهم ببطئ من ركن مظلم في التخشيبة وقام من على الأرض بكسل وهو يبدو عليه التعب، نفض التراب من ملابسه واتجه نحو الباب خاطيا فوق يد أو ساق احدهم، ولم يبد ان أحد يبالي بذلك… مشى وراء الشاويش في صمت. تحرك الرجلان في أروقة القسم ببطء شديد وكأنه لا يوجد في الكون كله ما يستحق. تعلو وجههم نظرة لامبالاة قادرة على امتصاص الحياة ذاتها من استاد مليء بالمشجعين، وتحت الإضاءة الصفراء الرديئة للرواق الطويل ظهر وجه الرجل الثاني.. شاب ثلاثيني يبدو عليه النعاس، يرتدي عوينات مهشمة ربطها بخيط يبدو أنه مأخوذ من قميصه الأصفر الخفيف، ويبدو على  الشورت الطويل الذي يرتديه آثار احذية متنوعة الأحجام والأشكال. كان الشاويش ينظر إليه بحسد وتحسر كلما تثائب ومد ذراعيها في الهواء لتسمع فرقعة العظام بصوت عالي وكأنما يحسده على النوم الذي ظفر به في التخشيبة، فقط ليتذكر كرهه للحياة و العالم، ثم تعود نظرة اللامبالة لتعلو الوجهين.

طرق باب مكتب ما ثم دخل ليقول بنفس الصوت الخالي من أي أمل في الحياة "خالد ناصر يا باشا". تمر لحظات صمت  بدون ان ينظر وكيل النيابة للشاويش لا يقطعها سوى صوت أنين مروحة السقف القديمة، حتى يرد الوكيل بصوت بارد بدون ان يرفع نظره عن هاتفه "خلاص دخله واتكل أنت يا رضا".
التقط مجموعة من الأوراق من على مكتبه ونظر إلى الراجل الناعس بإهتمام وقال "أنت بقى خالد ناصر؟" أومأ الشاب برأسه في كسل وأردف "دكتور خالد ناصر" نظر إليه الوكيل في استمتاع وقال "بس مكتوب هنا إنك مهندس". لم تتغير نبرة الشاب هو يرد "دكتور مهندس". أومأ الوكيل برأسه وتظاهر بتقليب الأوراق التي أمامه، ثم رفع رأسه مجددا للشاب الماثل أمامه وسأله "أنت بقى معاك الجنسية الأمريكية يا خالد ؟" بدا على الشاب نظرة اهتمام لأول مرة… ضاقت عينيه وفكر قليلا، ثم قال بشك "لأ للإسف...، ليه ؟" بدت على الظابط نظرة اندهاش ثم عاد ليطالع الورق بإهتمام. مرت بضع ثوان فتوجه الوكيل بنظره إلى الشاب وسأل بفضول "أُمال ليه السفارة الأمريكية باعتة طلب دبلوماسي بتطالب بالافراج عن واحد مصري ؟". اقترب الشاب من المكتب ببطء، ونظر إلى الورق الذي بيد الوكيل بإهتمام، ثم ابتسم فجأة بعد ان لمح كلمة ما في الورق.. قال بفهم "ديه الشركة اللي أنا شغال فيها بعتت طلب لوزارة الخارجية عشان تعمل كده".. نظر الوكيل له في شك، ثم نظر في شك للورق وقال  "الشركة بتاعتك هتخلي السفارة الأمريكية تبعت طلب دبلوماسي عشان واحد من الموظفين بتوعها ؟ ليه أنت تعرف مين هناك ؟" لم تتغير الابتسامة على وجه الشاب ورد في هدوء "لا ماعرفش حد، أنا بس مهندس في قسم البحث بتاع الشركة، وبمثل بالنسبالهم مورد مهم".. لم تبدو على الوكيل علامات الفهم فأضاف الشاب "والشركة ديه مصدر كبير للضرايب في امريكا فالحكومة ووزارة الخارجية بياخدوا طلباتها على محمل الجد دايما". اعتدل في جلسته وسأل الشاب "أنت قلتلي بتعمل إيه في الشركة ديه يا خالد ؟" هم الشاب بالحديث لكنه تردد للحظة، ثم بدت عليه صعوبة لشرح مايريد قبل ان يقول "مهندس بحث في قطاع الهوائيات، باطور الهوائيات بتاعت الأجهزة المدمجة اللي بتستخدم في العربيات". لم يبد على الوكيل انه فهم كلمة واحدة مما قيل، فأضاف الشاب بتردد "تقدر تقول مطور أو مخترع". ابتسم الرجل وقال في فخر "مخترع… زي الدكتور عبدالعاطي والدكتور زويل كده ؟".. بدت على الشاب نظرة غباء للثوان، ثم قال بتهكم "تقدر تقول كده".

ضحك الوكيل وتغيرت نبرته تماما وهو يقول للشاب "هم دايما المصريين كده… مبدعين في كل حتة". اظلم المكتب فجأة وتوقفت مروحة السقف عن الهسيس، لحظات قليلة وأنار ضوء أبيض خفيض من ركن الحجرة يبدو انه اضاءة الطواريء، لم يبد على الوكيل انه يبال بانقطاع الكهرباء، واستمر في الكلام "أهو عشان كده الخواجات دايما طمعانين فينا، مش كده ولا إيه ؟".. ابتسم الشاب ابتسامة صفراء وأومأ فيما حاول أن يجعله أقرب شيء للموافقة.. "هم بلاد برة كده دايما، منغيرنا احنا مايعرفوش يعملوا حاجة.." قالها وهو يفتح شباك المكتب بعد ان توقف مكيف الهواء ومروحة السقف عن العمل.. "طب ده أنا حتى ليا قريب في ألمانيا بيقولي كل الداكترة هناك مصريين".. لم يدر الشاب بماذا يرد، فاكتفى بابتسامة حمقاء وتحريك رأسه "آه ولله.. زي مابقولك كده".. اقترب الوكيل منه وقال "الخواجات يا خالد عايزين يمصوا دمنا، يعاملونا معاملة ولا الحيوانات وبعدين يتقدموا على قفانا". وضع يده على كتفه، تأوه الشاب في ألم وقال بصوت مبحوح "كتفي حضرتك مفتوح من ضرب العساكر امبارح في المظاهرة". لم يبد على الوكيل انه سمع ماقاله الشاب، لم يحرك يده وقال في لهجة درامية "إنما الواحد فينا لو قعد في بلده عشان يفيدها يقعد معزز مكرم في وسط أهل بلده وياكل الشهد" تراجع الشاب للخلف ليهرب من قبضة الوكيل على كتفه، ليرتطم بباب المكتب الموارب.. اسمتر الوكيل في التحدث باللهجة الدرامية وهو ينظر إلى السقف في تجلي "المواهب اللي زيك يا خالد مصر محتاجها، ادي البلد عشان تديك يا خالد.." تعثر الشاب في عتبة الباب ليسقط بالخارج، حيث كان الشاويش يقف ويندب حظه في الدنيا.. لم يبد أن الوكيل مهتم بسقوط من يتحدث إليه وقال في لهجة ملحمية وهو يحرك يديه في الهواء "مصر تشيلك في نني عينيها من جوه بدل المرمطة في بلاد برة.. مصر أولى بيك".. نظر خالد إلى قدمه المليئة بالكدمات من أثر الضرب، ثم نظر إلى الشاويش الموشك على الإنتحار من فرط الكآبة، ثم تحرك بنظره إلى مروحة السقف الساكنة في الظلام وتمتم  "مصر في القلب طبعا" ثم تحرك بنظره إلى الورقة ذات الطباعة الفاخرة المختومة بختم النسر الأقرع الأمريكي في يد الوكيل، ووقع نظره على الجزء الواضح منها والمكتوب فيها بخط منمق كبير باللغة العربية "المواطن خالد ناصر يهمنا أمره بشدة"".. ثم أضاف بصورة شبه آلية وهو يحاول إظهار نبرة السخرية في صوته قدر الإمكان "هنعمل إيه بقى… ربنا يصبرنا على ذل الاجنبي". ثم ساعد نفسه على القيام وهم بالإنصراف وهو يجر ساقه المصابة في الظلام.

بقلم/ عبدالرحمن بليغ.

Tuesday, 5 August 2014

معضلة الأخلاق والدماء وشنط رمضان

مر مجتمعنا بتجربة الاختلاف العلني الحاد ربما كانت الأقوى منذ فترة مديدة. وبينما كان المجتمع المصري دائم الاختلاف قليل الانسجام الفعلي في عمره الطويل، كان كثيرا ما يلجئ للكتمان والتجاهل لتجنب حل تلك الصراعات، وفي حين تتعلم المجتمعات الغير منسجمة ثقافة الاختلاف من الاحتدام العلني والحروب الأهلية، لم يواجه مجتمعنا عدم انسجامه يوما، ولم يعترف بوجوده أصلا. في العامين الماضيين على وجه التحديد، وصلت تلك المواجهات لأوجها، فظهر الوجه القبيح للأخلاق المجتمع، وتجردت الوجوه من أي سماحة كانت تصطنعها، وبدت الأزمة الأخلاقية لشعب كامل لم يتقبل الاختلاف يوما.

وبينما ذهل البعض من أخلاق جيرانه وأصدقائه العفنة، اختار البعض تجاهل تلك الحقبة واعتبارها “سقطة أخلاقية" لكي يستطيع معاودة حياته اليومية بدون أن يجز رقاب زملائه وأقرابه وينكل بجثثهم... وفيما تبدو فكرة القتل المتسلسل مغرية للكثير منا، يظل واقع الأمور أن علينا معاشرة تلك المسوخ بوجوه بشوشة لبقية حياتنا، أو حياتهم، أو حتى تنفجر فينا جميعا قنبلة الخلاص، أيهما أقرب...

لكن المشكلة الحقيقة، أن من أي زاوية نظرت للموضوع، فقصة "سقطة أخلاقية" تخلو تماما من أي منطق… تخطي الطابور في المترو سقطة أخلاقية، سرقة العشرة الجنيهات التي سلفتها من صديقك سقطة أخلاقية، الكذب على زوجتك لمشاهدة مباريات كأس العالم سقطة أخلاقية، حتى سرقة مقال قد تعد سقطة أخلاقية، لكن استباحة الدم والحث على القتل قطعا ليست سقطة أخلاقية، بل أن وصفها بالفاشية يبدو انتقاصا من حقها.

وفي حين أن لك حرية الاختيار الكاملة في تعاملك مع من اختلفت معه على ابسط قواعد المنطق وقيمة الحياة البشرية، لكن تبقى الحقيقة ثابتة لم تتغير:
من يرى أن التعامل مع الاختلاف يكون بالقتل أو الإعدام أو العنف البوليسي أو حتى بسحب الجنسية فهذا لسنا مختلفين معه في الآراء... هذا شخص مختل عقليا لديه بوار أخلاقي يسمح له بتبرير أي جريمة من منطلق المصلحة الفردية والقبلية... من يرى أن فض اعتصام بقتل المئات هو إنجاز عظيم أو عمل لابد منه أو أي شيء غير كونه جريمة بشعة هو شخص مريض ليس لديه الحد الأدنى من الأخلاق ليعيش في مجتمع بشري غير همجي... من يرى القتل ويدين المقتول أو من حثه على المعارضة شخص مختل … من يصرخ “الدم المصري كله حرام” و"فلنوقف العنف من الجانبين" كأننا لا نعرف الجاني والضحية، كأن القاتل لا يقف عند رأس من قتله ممسك برشاشه ويده تقطر دما، من يرى هذا ثم يبحث عن "تقصي الحقائق" ويطالب بالبحث عن الجاني هو شخص أعمى أزهق ابسط معاني إنسانيته ليتماشى مع مجتمع عاهر... من يطالب بالتخلص من معارضيه لكونهم معارضيه، من يتهمهم في قتلهم وسحلهم، من يتساءل جادا "إيه اللي وداها هناك؟"... من يتقبل حكم بإعدام مئات الأشخاص بقلب رحب، من يرى فيه العدالة، من يرى فيه أي نوع من أنواع المنطق، من ينتظر ليرى حيثيات الحكم، من يقل “لعلهم أخطأوا في شيء”، من يضع قيمة القانون قبل قيمة الحياة، من يضع قيمة الوطن قبل قيمة الحياة، من يرى إسكات الأفواه حلا لمشاكل أصحابها، كل هؤلاء ليسوا بشرا... كل هذه القيم ليست مجرد اختلاف... كل هذه التصرفات ليست مجرد سقطات أخلاقية… هذا اختلاف جوهري على ابسط معاني الإنسانية والمنطق، يجعلنا نشك أن صاحب الرأي لديه من العقل ما يكفيه لاتخاذ قرار صائب في حياته، لديه من الأخلاق ما يكفيه لنأمن وجوده بيننا، لديه من الإنسانية ما يكفيه ليكون بشرا...

هؤلاء الأشخاص -بالرغم من شكنا القوي في رجاحة عقولهم وقدرتهم على تقبل الاختلاف- لا يزالوا يعيشون بيننا، ولا يزالوا يحسبون انفسهم بشرا. وبذلك فهم لم يكفوا عن التشبه بالبشر وممارسة ما يسميه البشر “تعاطفا"، ويشاركوا في أنشطة خيرية كجمع التبرعات ومساعدة من رضوا عنهم وبالطبع شنط رمضان. وبالرغم من أنه على الأرجح هم صادقوا النية في ذلك، لعلهم يظنون فعلا انهم بذلك محسنون كما أن إبلاغ الشرطة عن جارهم الملتحي كان إحسانا، إلا إن شكوكنا في صحة قواهم العقلية وقدرتهم على اتخاذ قرارات أخلاقية تضع عائقا كبيرا في التعاون معهم في أعمال الخيرية مثل تلك... طبعا عمل مثل شنط رمضان هو عمل خيري طبيعي ليس عليه غبار، طالما سيذهب إلى محتاجيه بدون تفرقة، فالباقي يعد مجرد تفاصيل تنفيذ، لكن حين يعود الأمر لأحد الشيفونيين الجدد لإدارة التنفيذ، شخص سمعته مرارا يدعوا بالموت على الضحايا لما سببوه من خراب، ويصدق على أحكام الإعدام الجماعي، شخصا مثل هذا يمكن بكل سهولة أن تأثر لوثة أفكاره على تنفيذ أي شيء.. يمكن بكل سهولة أن ينتقي من يحصل على المساعدة بناء على معاييره العفنة، يمكن بكل سهولة أن يعتقد أن في مساعدة الشرطة في قهر المدنيين ثواب رمضاني عظيم.

إذا كنا سنعيش معهم لا محالة، فلابد من التعامل معهم بطريقة أو بأخرى، لكن بالنسبة لي –وأنا كثير الثقة في الناس- ثقتي في أي شيء يتضمن ولو اصغر القرارات منهم ستكون اقل بكثير من ثقتي في قرارات أي شخص غريب لا أعرفه... أي أني إذا أردت أن أعطي  نقودي لمن يستطيع أن يساعد بها المحتاج، سأفضل أن أعطيها لشخص عشوائي في الشارع عن أن أعطيها لذلك القريب أو الزميل …

في النهاية الموضوع براجماتي بحت… أنا رأيت بوصلة اتخاذ القرار لهذا الشخص، وإيماني بالطبيعية البشرية يجعلني شبه متأكد أن هذا الشخص من أسوء عينات البشر في العالم، أي أني باختيار شخص عشوائي من الشارع لدي فرصة أكبر في الحصول على شخص أجدر بثقتي فيه… فخلال حياتنا كلنا نرتكب الأخطاء، لكن هناك أخطاء هي مجرد أخطاء -كبيرها وصغيرها-، وهناك أخطاء تجرد قيمنا وتكشف الوجه القبيح للوحوش التي بداخلنا، والتي لم تخرج حتى الآن فقط لأنها لم تمكن بعد.

Monday, 12 December 2011

لماذا الوسط ؟


نخوض الآن أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخنا، ويقع على عاتقنا عبء اختيار حاكم مصر بعد أن نشأنا منذ نعومة أظافرنا على أن يختير لنا... فبدلا من أن يدعي متسلطا ما أنه يعلم الأصلح، صرنا نحن - شعبا وثورة - مطالبين بأن نعلم الأصلح، ونختاره ونتحمل مسئولية اختيارنا، ولذلك كان من الواجب أن نتريث في اختياراتنا ولا نندفع وراء مشاعرنا، ونقيم كل الجوانب ونحسب تبعات الاختيار بأبعاده المختلفة لكي لا نختار عصام شرف آخر...   
ولكي نتعلم من أخطاء الماضي، صار من المنطقي ألا نختار الأصلح أو الأفضل أو الأشرف فحسب، فالاختيار الذكي هنا هو اختيار الأنسب لكل منصب مع الأخذ في الاعتبار وقت الاختيار الحرج، سواء كان في ذروة الثورة أم في وقت استقرار ورخاء، وطبيعة الشعب المحكوم، وهل سيتقبل سياسات من اخترناه - مهما كانت مثالية - أم سيرفضها وتتعرقل مسيرة الاصلاح، وأيضا طبيعة القوى السياسة الموجودة على الساحة والخريطة المتوقعة لقوتها وتمثيلها في البرلمان، مع توافر المعايير الأخرى كالنزاهة والخبرة بالطبع.
ولهذا امضيت الأشهر الماضية في البحث عن الحزب المناسب للفترة الحالية، والذي أراه باجتهادي المتواضع الأصلح والأنسب لمصلحة الوطن، وقد وجدت ضالتي في حزب الوسط... وفيما يلي الأسباب التي دفعتني إلى هذا الاختيار، وثقتي فيه، بل وتزكيته لأصدقائي ومعارفي.

اولا: تاريخ الوسط

عادة ما تبدأ الاحزاب بالتحدث عن تاريخها، فكل حزب له تاريخا مشرفا ما، وهو ليس بالضرورة ذو اي دلالة على حاضره، فهناك احزابا عريقة لها تاريخ طويل في الكفاح الوطني صارت غير فاعلة اليوم نتيجة موت حلم المؤسس أو تغيره،ومنها من صار مرتعا للفلول ورجال الاعمال الطامعين في القوة، ولكن حين يكون من أسس الحزب هو من يزعمه حاليا، فان تاريخه يعطيك نبذه عن امكانيات الحزب وما وما يمكن ان يحدثه من تغير.
ومع ذلك فانا لا اتحدث عن تاريخ الوسط، اذ إن معظمنا يعرف قصة انفصالهم عن الاخوان ونضالهم لتأسيس حزب من عام 1996، ولكني ساتحدث قليلا عن احداث قد تكون غائبة لدى البعض، كسبب انفصالهم عن جماعة الاخوان المسلمين، فعكس ما يظنه البعض، وعكس ما بررت به قيادات الاخوان وقتها، لم يكن سبب الانفصال رفض جماعة الاخوان تأسيس حزب سياسي في ظل العهد البائد فحسب، ولكن كان من اهم أسباب الانفصال كما اوضحها عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط كان الفكر الإقصائي الشمولي كما وصفه أ/عصام في احدى اللقاءات (رابط الفيدو في آخر المقال)، كما اوضح في نفس اللقاء ان اختلاف مؤسسي الحزب مع ادارة الاخوان والطريقة التي تدار بها الجماعة يعود إلى قبل الانفصال بـ10 أعوام، وأن ذلك كان اخر خيار بنسبة لهم، لكنهم لم يجدوا بد منه بعد ان كان فرض الرأي وعدم وجود نقاش سياسي داخل الجماعة قد بلغ مبلغه، وقد ايدهم في ذلك سياسيين كثر من الاخوان وخارجهم، مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور رفيق حبيب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة حاليا وجورج اسحق مؤسس حركة كفاية وغيرهم، فالاخوان كجماعة لم يكونوا مستعدين للتوغل في السياسة، وكان جل همهم العمل الميداني والنزول إلى الشارع، بينما كان مؤسسي الحزب من المفكرين والسياسيين المخضرمين وأرادوا احداث تغيير حقيقي عن طريق العمل السياسي الديمقراطي.

ومن الجدير بالذكر ان الوسط لم يتوقف بعدما رفضت الهيئة العليا للأحزاب طلب إنشاء الحزب، فقد ظل مؤسسوه يتقدموا بالطلب وراء الطالب، ويخوضوا حربا في المحاكم، وفي نفس الوقت كان لابد من اثراء الجانب الميداني ايضا لأنه الحزب المقتصر على السياسة هو حزب على ورق فقط، فدخلوا حقل العمل الميداني حتى يتركوا الاثر المطلوب في الشارع خلال العشر سنوات السابقة للثورة (شاهد الوثائقي عن حزب الوسط قبل الثورة)

ثانيا: المواقف
كما ذكرنا لم يقتصر الوسط على العمل السياسي فقط، فلم ياخذ الموقف السلبي الذي اخذته معظم احزاب ما بعد الثورة في ان يأسوا من العمل السياسي، أو يأسوا من العمل الميداني، أو كلاهما معا كسائر الاحزاب التي لم يكن لها وجود وتحججت ببطش نظام مبارك، كما كان الوسط ولا يزال متقبلا للاخر يتعاون لمصلحة الوطن، فكان من أبرز المشاركين في الجمعية الوطنية للتغير، وشارك مؤسسيه في الثورة منذ أول يوم وحتى تنحي مبارك.
وجاءت مواقف الوسط بعد الثورة لتعكس تمرسه السياسي وتوجهه الثوري، فقد كان دائم الرفض لعروض الحكومة القاصرة ومطالبا دائما بما هو افضل، مما يوضح اهمية الموقف الثوري لدى احزاب المعارضة، فالتوجه الاصلاحي نادرا ما يؤتي ثماره في اوقات الثورة، أو حتى كمعارضة في وجود حكومة اصلاحية ايضا... والتوجه الاصلاحي هنا يمثله موقف الاخوان وبعض الأحزاب الأخرى القابل بمعظم المهادنات والغير ممانع للتفريط في المطالب الأساسية، بينما كانت الكتل السياسية الأبرز والأكثر اصرارا على المطالب في مواجهة العسكري هي 6 ابريل وائتلاف شباب الثورة وحزب الوسط.

ثالثا: الفكر

كانت من اهم التغييرات التي بدأ بها حزب الوسط لدى نشأته في العقد الماضي هي ترجمة الشعارات البراقة لبرامج حقيقية تعكس رؤية سياسية واضحة ومتفقة مع الشعارات التي يرفعها الحزب، مما يدل على نضج التوجه السياسي فالبرامج ذات طابع سياسي لا هي مبنية على العمل الميداني فقط، ولا هي تفتقر إلى توجه فكري يكون بمثابة العمود الفقري للبرنامج مثل معظم احزاب مابعد الثورة التي ليس لها توجه واضح وتحاول ان ترضي جميع الاطراف مما سيؤدي قطعا إلى عدم رضا جميع الأطراف.
ومن اهم مميزات حزب الوسط كفكر، الطريقة التي يدار بها الحزب، فالقرار يأخذ في الحزب بمنتهى الديمقراطية كما يسمح لكل الاعضاء بالمشاركة حتى الاعضاء الجدد، و بالطبع ليس هناك قرارات تأخذ من وراء ستار فلا يعرف لها سبب مثل قرارات النزول وعدم النزول، فالشفافية في التعامل هي أساس في أي حزب ناجح.
واخيرا فان المرجعية الاسلامية تعتبر من اهم النقاط التي تشكل فكر الوسط، فهي التي تجعل الحزب يلتزم بالشريعة فلا يقبل بأن يقر قانون أو يسكت على قانون قائم يخالف المبادئ أو الأحكام التي وردت فيها نصوص قطعية الدلالة ولكنه يوجد آلية قابلة للتنفيذ برؤية سياسية خبيرة وهو فى نفس الوقت يفصل فصلا كاملا بين دور الدعوة ودور الدولة، وتلك المرجعية ايضا هي التي تجعل من القضايا العربية والاسلامية كالقضية الفلسطينية على اجندة الحزب لدى دخوله البرلمان.

اخيرا: ملخص الاسباب والتحليل
1- برلمان ما بعد الثورة لا شك ستكون الاكثرية فيه للاخوان، وهم ذوي فكر اصلاحي يصلح لوضع خطة اصلاحية طويلة المدى، وتطوير أجهزة الدولة شيئا فشيئا حتى تتغير، وقد يكون هذا ما يريده البعض في اوقات الاستقرار، لكننا قطعا لسنا في وقت الاستقرار، بل نحن في امس الحاجة إلى المواقف الثورية داخل البرلمان حتى يتسنى لنا استئصال الفلول وتطهير أجهزة الدولة في اسرع وقت، وهنا تأتي ادور الاحزاب الثورية مثل الوسط حتى لو كانت اقلية داخل البرلمان فستقوم من أداء الأغلبية.
2- لا يمكن تمرس الشيء بدون التفرغ له، فلم يجعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وحزب الوسط بعد انفصاله عن الجماعة اصبحت السياسية شغله الوحيد، فلا هو جماعة جل خبرتها في العمل الميداني والرقابي، ولا هو يستقي خبرته واسمه من مواقفه في الميدان وحدها، والتي لا تكفي كخلفية لوضع دستور قوي.
3-  المرجعية الاسلامية هي الضامن الوحيد على ان من تعطيه صوتك لن يخالف الشريعة في نص صريح، وهي تعكس مدى اهتمام الحزب بالحفاظ على هوية مصر كدولة عربية اسلامية حرة، وهو ما سينعكس في امور مثل التعليم والإعلام.
روابط:
وثائقي عن الوسط قبل الثورة : http://www.youtube.com/watch?v=CKxVB7Q7Tjw
http://www.youtube.com/watch?v=8jpD2lsH_n0&feature=related سبب انفصال الوسط عن الجماعة

Tuesday, 8 February 2011

وبدأ الاصلاح حثيثا




إن مايحدث حاليا من الاختلاف الحاد في الأراء حول حل الخروج من هذه الأزمة لا ينفي توحد الهدف الذي نسعى اليه جميعا مابين ضيقي الأفق والمتفتحين وهو تحقيق الاصلاح السياسي الشامل مما سيحقق الاصلاح في جميع المجالات الذي بدوره سيحقق التقدم الحقيقي الملموس والرخاء الاقتصادي وإن اختلفت الاراء في كيفية تحقيقه.

وقد يختلف البعض في تعريف الحكومة الوطنية التي ستأخذ على عاتقها مهمة تحقيق ذلك الاصلاح، لكن ذرنا نفترض أن حكومة وطنية ما، قد لاقت بمعجزة ما استحسان الشعب كله ، ورضي بها كل الاطراف (وهو درب من دروب الخيال العلمي في ظل المراهقة والإحداث السياسي الذي يعانيه الشعب المصري حاليا (لكن من فضلك ذرني افترض ولا تقاطعني، فلا احد يحب الذين يقاطعون مقالا مكتوبا ... اين كنا ؟ انظر ماذا فعلت بمقاطعتك... آه نعم ، لقد قلنا ان حكومة خيالية ما اخذت على عاتقها مهام الاصلاح – وعسى أن يكون قريب – وبدأت بالفعل في اختيار الاصلح لمصلحة الوطن ، وهنا – خير اللهم اجعله خير – قابلت حكومتنا الهمامة مشكلة من نوع فريد ، وهي اصلاح من لم يروا في حياتهم غير الفساد، فلا يعرفون للاصلاح طعم ولا لون، وتسمى هذه الحالة: الاصلاح رغم انف الشعب !!

بعد عدة ايام من تعيين حكومتنا المجيدة في احد المكاتب في قسم شرطة العجوزة ، يدور هذا الحوار بين الاستاذ محمد – موظف في القسم– وطارق بيه –عقيد شرطة منقول من قسم الزاوية الحمرا– … ماتيجوا نشوف ؟؟
- يا طارق بيه في منشور رسمي جديد جاي من وزارة الداخلية ..
تعلو نظرة الاحباط على وجه طارق بيه وهو ينظر إلى لفافة الطعمية التي أمامه وكأنما القي في وجه صرصور ، ثم يضيف في حنق :
- هو الوزير ماباقلهوش يومين متعين، وهايبدأ يتنطط علينا ؟
- بيقولك يا سيدي لازم حضور محامي المشتبه فيهم لدى استجوابهم
ينظر اليه طارق به وهو يلوك ورقة الفجل في فمه
- مين المشتبه فيهم دول يا محمد افندي ؟
- المجرمين يعني يا طارق بيه.. اللي انتو شاكين فيهم يعني
- ولما احنا شاكين فيهم مايقول مجرمين وخلاص … ثم يرشف رشفة كبيرة جديرة بسيد قشطة ذاته من كوب الشاي الخاص به ويضيف:
- وبعدين المحامين دول هينضربوا معاهم ولا هايتفرجوا بس ؟
- لا يا طارق بيه مفيش ضرب خالص، بيقولك اسلوب التحقيق حيختلف
يضع طارق بيه الكوب من يده في استنكار وهو يقول :
- ولما احنا مش هنضربهم، هنخليهم يعترفوا إزاي ؟؟
- المنشور بيقولك مش لازم يعترفوا
- علت نظرة البلاهة على وجه الظابط ، وقال بتعجب :
- امال هنحبسهم من غير مايعترفو ؟ تصدق الوزير ده طلع بيفهم !
- لا يا طارق بيه.. ده لازم دليل عشان تحبسهم
- يابني أُمّال الاعتراف ده إيه... الاعتراف ده سيد الأدلة ، قالها وهو يلوح بيده في تعبير ثقة من تعبيرات عادل امام في مسرحية الزعيم عندما قال "لسة الرئيس هيتف بذر البطيخ ؟"
- قال الاستاذ محمد في نفاذ صبر :
ياطارق بيه افهم.. ده أنت سيدي المفهومية كلها ، لازم المجرم يعترف بمزاجه ، ولومعترفش لازم تجيب دليل يثبت إنه هو اللي عمل الجرم ده
- قال في ارتياح : تلفيق يعني ؟ طب ماتقول كده من الصبح يا راجل...
- لا يابيه ابوس ايدك افهم، دليل ده يعني المخدرات الي مسكتها معاه، سلاح الجريمة... كده يعني
- وهو هيشيل معاه مخدرات ليه طالما مش احنا اللي حاطينهاله ؟؟
- قال محمد افندي وقد اوشك ان يموت بانفجار شريان ما: عشان بيبيع فيها !!
- مضت لحظات والظابط لا يبدو عليه علامات الفهم على الاطلاق … ثم قال اخيرا : هو احنا هنقبض على تجار المخدرات كمان ؟؟

أثناء محاولة الظباط لفهم طلاسم ماجاء في منشور وزارة الداخلية، جاء منشور اخر من وزارة الاعلام إلى معدي اخبار القناة الاولى المصرية ، ودار هذا الحوار بين احمد وسها احدى المشاركين في الاعداد …
- سها إنتي قريتي المنشور بتاع وزارة الاعلام ده ؟
- أيوه قريتوا يا احمد بس مش فاهمة أي حاجة.. احنا ازاي هنقول الاخبار منغير ماحد من الحزب يقولنا نقول إيه ؟
- يمكن قصدهم هناخد كلام كذا وزير ونحطه على بعض
- لا بيقولك هنا إن احنا ننقل نبض الشارع
- قال ساخرا: ايوة يعني الناس اللي في الشارع هايتصلوا بينا واحد واحد ويقولولنا نقول إيه يعني ؟
- مش عارفة يا احمد... ده حتى بيقولك هننقل الحقيقة كما هي من غير تحيز … بس مش قايلين مين اللي هايقولهلنا
- رد في غضب: الناس ديه كبرت وخرفت... مش عارفين الشغل بيتعمل إزاي بلاش يفتوا
- بص على الحتة ديه... بيقولك وتنقل الاخبار من مصدرها بدون أي تعتيم
- ضاقت عيني احمد وقال : يكونش قصدهم … ثم تبادلا النظرات في رعب وقالا في صوت واحد مبحوح يكاد يتحول إلى صراخ:
- ننزل الشارع ؟؟!!

وبينما يحاول الموظفين فهم نظم العمل الجديدة، والبلطجية طريقة الكسب الحلال، فكل تلك الأمثلة كانت لاجزاء من النظام الفاسد يحاولون اعادة التأقلم مع النظام ،ولكن للاسف فان الفساد كان متفشيا بحيث يصعب حتى على المواطنين الشرفاء اجتنابه، فتأقلموا معه اما رغما عنهم، أو تسليما له، أو جهلا منهم … فهذا عبدالغفور القادم من اسيوط إلى القاهرة لاستخراج اذن ضابط الاتصال ليزور اخاه في الكويت، فتراه تائها امام مجمع التحرير فتضطره الحيرة لسؤال متولي شرطي المرور…

- بجولك يادفعة، أنا عايز مكتب ضابط الاتصال عشان راح اسافر عاخوي
- ماخلاص يا بلدينا، مبقاش في مكتب … كله بقي الكتروني دلوقتي
- الكتروني ؟.. طب وفين الطابور تبعه ديه ؟
- طابور إيه يا بلدينا، الكتروني يعني تعملها من بيتك... أو من الأجهزة اللي في وش المجمع ديه
- واه ؟ والمكنة راح اديها سجاير بردك ؟
- سجاير ؟ سجاير ليه يا جدع إنت ؟
- عشان تخلص الشغل … متفتح نافوخك أُمّال … الشغل هيخلص إزاي من غير كام سوجارة وكام دمغة و20 30 جينيه ؟
- يا بلدينا افهم.. الجهاز ده كمبيوتر .. يعني هيخلصلك كل اللي إنت عايزه في ثواني وفي حتة واحدة منغير مايطلع عينك معاه
- استغفر الله العظيم... إنت عايزني ازور ورجي يا جدع إنت ؟؟ إنت مابتخفش ربك ؟
- يا حاج تزوير إيه ؟ استرضى بالله كده واهدى... الحكومة يا سيدي حبّت تسهل عالناس فخلت كل حاجة من الكمبيوتر
- اباه.. أنت هتجنني يا جدع إنت ؟ الحكومة عايزة راحتنا إزاي يعني ؟ إنت شكلك نصاب وحرامي... جدامي عالجسم
- دانتا كمان مش محتاج تروح القسم... لو اتصلت بـ122 هيبعتلك اقرب آمين شرطة ليك
- يا جدع اتجي الله … ده الكدب خيبة !!

في النهاية قد يكون هذا العرض دربا من دروب الكوميديا السوداء ، لكنه بالفعل قريب من الواقع .. هناك نظام فاسد افسد كل أطرافه، حتى فقدوا القدرة جميعا على التعامل في بيئة نظيفة، لكن المصريين معروفين بالمرونة والتأقلم ، اضف على ذلك الرغبة في التغير والاصلاح فستجد الاطراف وقد استقامت لاستقامة النظام، قد ياخذ هذا بعض الوقت، لكنه سيحدث، وهي نتيجة متوقعة لتغير اعلى الهرم مع رغبة اسفله لذلك، على عكس تماما من بدء التغير من اسفل الهرم، فيمكن للاخوة المؤمنون بنظرية “اظبط نفسك وهي تظبط" أن يتخيلوا معي مقلوب تلك السينريوهات، فكم من موظف رفض أن يقبل الرشوة ، فاتهمه المرتشين بداءهم، وكم من شرطي رفض الفساد ، فلم يستطع الحياه بـراتب لا يتجاوز الألف والنصف بعد خدمة 20 سنة في جهاز الشرطة، لقد كانت النزاهة في حلاكة الفساد شديدة الصعوبة، دعك حتى من اصلاح ذلك الفساد من الاسفل... قد ياخذ الاصلاح وقتا كي يحدث، لكنه قادم لا محالة، وقد نكون بذلنا في سبيله الكثير ، لكن الاصلاح والحرية والديمقراطية من ابهظ السلع على مر العصور... اخوتي المصريين، لا تيأسوا من خراب قد حل بنا، أو مؤمرات قد تحاك لنا ، فغدا سننظر إلى هذا الثمن ، ونقارنه بريع ماابتعنا، وسنعلم حينها أن نجح البيع، وأحسنا اختيار الصفقة… اخوتي المصريين، اصبروا فإن غدا لناظره قريب .

Photo was taken by me on the 28th of January 2011, the Friday of anger, while a group of youth was taking over a police truck.