Showing posts with label عربي. Show all posts
Showing posts with label عربي. Show all posts

Tuesday, 28 October 2014

عن الشقيقتان: يافا وتل ابيب

يرجع تاريخ مدينة يافا لما يقرب من الأربعة آلاف سنة كانت خلالها تحت حكم ممالك وسلاطين عدة.. تعتبر يافا من أقدم المرافئ في العالم، وكان أول ذكر تاريخي لها عام 1500 ق.م حين غزاها الفرعون تحتمس الثالث وسيطر عليها الفراعنة آنذاك.. ذكرت يافا في الإنجيل والتوراه بإنها المرفأ الذي وصل فيه الخشب المستخدم لبناء هيكل سليمان...
كان سكان يافا من العرب واليهود واليونانين قبل سيطرة دولة الخلافة الاسلامية عليها عام 636م، وظلت تحت دولة الخلافة حتى عام 1099 حين وقعت تحت سيطرة الحملة الصليبية التي طورت المدينة وحصنتها... استطاع صلاح الدين استردادها بعدها بقرن، لكن سرعان ما استردها ريتشارد قلب الأسد لقرن آخر حصنت فيه القوات الصليبية المدينة اكثر، حتى استطاع السلطان المملوكي بيبرس السيطرة على المدينة وتدمير حصونها.. بعدها بقرن آخر كانت هناك خطة لغزو صليبي جديد، لكن الناصر محمد دمر مرفأ المدينة لكي لا تقع في ايدي الصليبين مرة أخرى..
في عام 1799 دمر نابليون بونابرت معظم المدينة التي كانت تقع تحت حكم العثمانين وقتها وقتل اعداد هائلة من السكان، وقتل ايضا الحامية المسلمة المكونة من بضعة آلاف بعد ان استسلموا، ثم قام الطاعون بقتل جزء آخر... انكمش تعداد سكان يافا كثيرا بعدها، ولم يزد مرة اخرى إلا في القرن التاسع عشر حين اصبحت يافا مركز تجاري كبير للامبراطورية العثمانية..

في اواخر القرن التاسع عشر بدأت اعداد قليلة من يهود المغرب ويهود الاشكيناز الوصول إلى المدينة والاعتمال بالتجارة نتيجة لنجاح المدينة التجاري، لكن لم تستوطن الصحراء شمالي يافا إلا بداية من 1886 حين بنى اليهود اليمنيون حي "كرم هاتيمنيم" والتي تعني "كرمة اليمنيون" بالعبري، وهو الحي الذي لاحقا اصبح حجر الأساس لمدينة تل ابيب.
اسمترت الاحياء الوليدة في التمدد من النزح اليهودي الذي كان في البداية نزح ذو أهداف اقتصادية ثم اصبح غالبيته بعد ذلك ذو أهداف صهيونية، لكن ذلك لم يغير من هدف مجتمع "المنزل" اليهودي الذي كان مهمته "بناء مدينة نظيفة وجميلة لتكون المركز الحضري لليهود"، والتي كان "مايير ديزينجوف" -أول عمدة لتل ابيب- يحلم بها كمدينة متحضرة تعيش في تناغم مع جارتها العربية يافا...

بدء الموضوع بشراء الأرض الصحراوية الخالية من الحكومة التركية، ثم تقسيم الأرض بالقرعة على ال66 اسرة اليهودية المشتركة في الشراء، واخيرا في 1910 اختير اسم تل ابيب للمدينة الوليدة..
اسمتر الوجود اليهودي في تل ابيب من وقتها بإستثناء سنة واحدة خلال الحرب العلمية الأولى حين طردت الدولة العثمانية كل اليهود من يافا وتل ابيب، ثم سمحت لهم بالعودة بعد تلك السنة.. استمرت المدينة في النمو، وزاد الاحتكاك بين المدينة اليهودية تل ابيب والمدينة الغالب عليها العرب يافا، وتسبب ذلك في ترك الكثير من يهود يافا بيوتهم في يافا وانضمامهم للمدينة الجديدة.. لم يتوقف نمو المدينة حينها، ففي عام 1923 اصبحت تل ابيب أول مدينة فلسطينية تدخلها الكهرباء، ولحقتها جارتها يافا سريعا لتصبح المدينة الثانية.

تضخم عدد السكان في تل ابيب بقوة خلال الحرب العلمية الثانية نتيجة لنزح اليهود من اوروبا خوفا من النازيين، ووصل تعداد تل ابيب وقتها ل150،000 نسمة لتتخطى بذلك لأول مرة تعداد ال70،000 عربي من سكان يافا.. الاحتكاك بين المدينتين زاد واضطرت تل ابيب لاول مرة افتتاح مرفأ خاص بها بدلا من الاعتماد على مرفأ يافا..
في عام 1947 في خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب كانت تل ابيب جزء من الدولة اليهودية، بينما كانت يافا (التي كانت وقتها 60،000 مسلم، 30،000 يهودي، 15،000 مسيحي) جزء من الدولة العربية. لكن ذلك سرعان ماتغير في اقل من سنة حين قامت الحرب حيث سيطرت الدولة اليهودية على يافا وضمتها لحدودها.. خلال تلك السنة كان هناك اختلاف سياسي بين بلدية تل ابيب -التي أرادت ضم الاجزاء الشمالية من يافا التي يسكنها اليهود لحدود بلدية تل ابيب- وحكومة اسرائيل -التي ارادت ضم يافا بالكامل لتل ابيب-. خلال السنتان التاليتان تم ضم يافا لتل ابيب تدريجيا، وتم تهجير جزء كبير من السكان العرب من تلك المناطق. في عام 1950 اصبحت يافا رسميا جزء من البلدية، وتم اعادة تسمية البلدية ل"تل ابيب-يافو" للاحتفاظ بالاسم التاريخي لمدينة يافا، لكنها بقيت معروفة باسم "بلدية تل ابيب".

يافا اليوم تتكون من 30،000 اسرائيلي يهودي و16،000 اسرائيلي عربي، وتعتبر من المدن السياحية المهمة في اسرائيل.. شقيقتها الصغرى تل ابيب اصبحت اكثر من عشرة اضعاف سكان يافا، واصبحت من اهم المدن الاقتصادية في العالم وثاني اكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وافريقيا، وعاصمة من عواصم التكنولوجيا في العالم... اليوم إذا كانت تسكن في تل ابيب فانت تسكن في اكبر عاصمة تكنولوجية واقتصادية في المنطقة.. أما إذا كنت تسكن في المدينة التاريخية يافا، فإنك تسكن في "يافا، بلدية تل ابيب، إسرائيل".

Monday, 16 September 2013

تلة هامشير - قصة قصيرة

دخل إلى البيت مسرعا، انطلق عدوا نحو غرفة المكتب في الطابق العلوي. كان كل شيء مرتب في عقله، يعرف تحديدا ما يتوجب عليه فعله، وهو ما بدى له غريبا، كان يتوقع أن يفزع أو أن يفقد السيطرة... جفف دموعه بظهر يده ثم بحث قليلا على الإنترنت، امسك الهاتف في لهفة، انتظر في نفاذ صبر وهو يضغط الأزرار لمحاولة تخطي القائمة الصوتية والوصول لشخص ما يستطيع التحدث معه… كانت نوافذ الغرفة المظلمة مفتوحة على مصراعيها في إهمال، يتسلل إليها نسيم باسادينا العليل وتترقق في الأفق أضواء لوس أنجلس الصاخبة …أضاء وجهه حين ردت عليه ممثلة الشركة وقال في لهفة مسرعا “أريد أكبر شاحنة لديكم يمكنها السير على الطرقات الوعرة!”.

نظرت إليه في دهشة، كانت أضعف من إن تسأل، أضعف من أن تهتم… أشارت إليه في وهن بمعنى أنها لا تفهم أو لا تهتم، لكنه لم ينتظر إجابة حقيقة منها، نزع المحاليل المتصلة بجسدها، حمل جسدها الواهن بين ذراعيه، خرج بها إلى الرواق فأبدت بعض الممرضات اعتراضا لكنه اخرج ورقة ما من جيبه فأخرسهم، نزل بها لقبو المشفى عدوا، وضعها على سرير حديدي لا تعلم من أين أتى، ودفع السرير إلى شاحنة نقل رباعية الدفع مثل التي كان يقودها أبوها يوما وسط مزارع نبرسكا.

انطلق في تؤدة محاولا ألا يجعل الرحلة شاقة عليها، بدت على وجهه نظرة تطلع، وهي نظرة لم يعرفها وجهه منذ أزمان - خمس سنوات على وجه التحديد.- تبخر الأمل من وجهه حين تذكر حاله قبل ذلك اليوم المشئوم، تذكر كيف كانت هيلينا نابضة بالحياة يوما، وكيف كانت تدفعه دفعا للخروج واستنشاق هواء الجبال، كيف كانت تحب الأشجار والطيور والمطر.. تذكر كيف كانت تجبره على المشي عشرات الأميال فقط ليروا الأفق من وراء تلك الغابة أو فوق تلك التلة... تذكر كيف كان يظن أن كل ذلك مجهود ضائع بلا هدف... تذكر كل هذا وعادت عيناه لتدمعا من جديد بعد أن جفتا لفترة. هز رأسه بعنف، دفع الذكريات من رأسه، حدث نفسه بصوت عالي مدعيا أن كل شيء سيكون على ما يرام... ستشفى هيلينا وتعود لتعذبه برحلاتها الخلوية المرهقة… نظر في جهاز الملاحة الإلكتروني وهو يحاول التأكد من إدخاله اسم وجهته صحيحا، "تلة هامشير"... ظل يكرر الاسم لعله يدفع أفكاره السوداء بعيدا... كان يعرف أن تقديرات الأطباء عادة ما تكون صحيحة، لكن جزئا منه لم يصدقهم أبدا، جزئا منه ظل متمسكا بالأمل، لمرة واحدة في حياته يريد أن يتبع الأمل بلا دليل، بلا علم، بلا منطق… لمرة واحدة فقط يريد أن يؤمن بأن شيئا ما سيحدث لا لسبب منطقي، ولكن لأنه يريده أن يحدث…  "تلة هامشير"... استمر في ترديد الاسم وعيناه لا تفارق الطريق.

اهتزت الشاحنة بقوة، عرفت أنهما تركا الطريق الممهد ودخلا في طريق وعر. ازداد شعورها بالغثيان، لم تفهم لما يفعل هذا بها وهي في تلك الحالة... كانت مشاعرها خدرة بسبب العلاج الكيميائي، لم تستطع استجلاب مشاعر الغضب أو حتى الفضول... لم تشعر بعدم الارتياح، فهي قد نسيت الارتياح منذ سنين، كانت في حالة دائما من اللاشعور... وجود تنتظر انتهائه لكيلا تشعر بشيء… توقفت الشاحنة، ارتجل كاليوب وجر السرير الحديدي إلى خارج الشاحنة. شعرت بالنسيم الخفيف أولا، ثم لسعة البرودة الخفيفة ثانيا … مرت لحظات حتى استعادت توازنها واستطاعت أن تنظر للسماء فوقها... كانت السماء حالكة السواد صافية لا قمر لها. في زمن آخر كان هناك هيلينا أخرى تقضي شهورا بحثا عن فرصة لترى النجوم في ظروف مثل هذه، لكنها ذهبت وذهب زمانها... هي الآن تريد أن تعود إلى سقف المشفى المظلم، حيث التحديق في العدم... ظل يدفع سريرها فوق أرض صخرية قاسية، دقائق واعتادت عيناها على الظلام، حتى رأت النجوم لأول مرة منذ أربعة سنين…
بدا أن شيء مختلفا يحدث بداخلها… مر بها فجأة مزيج من المشاعر، الحنين والحماس والشوق لمكان لا تعرف أين هو، لكن الشعور الغالب كان حزن دفين لا تعرف له سببا... لكنها لم تعبئ، استمتعت بذلك الحزن …كانت نسيت أنها يمكن أن تشعر بشيء ما، حتى لو كان حزنا … ازداد وضوح النجوم فوقها، قلت كثافة الأشجار وبدى واضحا أنهما يصعدان تلة ما، ومع وضوح النجوم أكثر فأكثر كانت تشعر أن تفكيرها يصفى شيئا فشيئا... وصلا إلى قمة التلة، أوقف كايلوب السرير، وضع مخدة عالية تحت رأسها لتتمكن من الرؤية أمامها... كانت تعرف ذلك الأفق جيدا... الثلاث جبال المحيطة للبحيرة الكبيرة، السماء الممتدة فوقهما، الأشجار الطويلة تحت ضوء النجوم، إنها تلة هامشير !
بدا أن مزاجها قد خطا مقدار مجهري في اتجاه أحسن … لم يتحسن شعورها بالغثيان أو عدم الرغبة في الوجود، بحثت عن كايلوب حولها، رأته قادما بغطاء ثقيل من مكان ما، قام بتغطيتها به، ثم تدثر بجانبها على الفراش، وبدون كلمة واحدة ضمها إليه.

شعر بحرارة جسدها المريض على صدره، بدا أنه يحاول نسيان مرضها، نظر إليها ورأى ابتسامة واسعة على شفتيها... كان هدفه من تلك الليلة بأكملها هو تلك البسمة، الآن وقد حصل عليها كان من المفترض أن يشعر بالنشوة… لكنه بكى بدلا من ذلك.  بكى بحرقة شديدة... لم يعرف علاما يبكي، لكنه استمر في البكاء، وضمها إليه أكثر. سالت الدموع الساخنة على وجهها، نظرت إليه، مدت يديها لتمسح دمعه في وهن. "لماذا أنت قلق يا صغيري؟ الم نتفق أن كل شيء سيكون على ما يرام؟”. "أنا لست قلقا..." قالها وهو يمسك يدها بكلتا يديه، افتعل  ابتسامة وقال "أنا سعيد فقط”. ابتسمت ابتسامة رضا، وأغلقت عينيها وسكن جسدها… أما هو فظل يكرر “أنا سعيد جدا” ويبكي في صمت.

بقلم/عبدالرحمن بليغ.