Monday, 12 December 2011

لماذا الوسط ؟


نخوض الآن أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخنا، ويقع على عاتقنا عبء اختيار حاكم مصر بعد أن نشأنا منذ نعومة أظافرنا على أن يختير لنا... فبدلا من أن يدعي متسلطا ما أنه يعلم الأصلح، صرنا نحن - شعبا وثورة - مطالبين بأن نعلم الأصلح، ونختاره ونتحمل مسئولية اختيارنا، ولذلك كان من الواجب أن نتريث في اختياراتنا ولا نندفع وراء مشاعرنا، ونقيم كل الجوانب ونحسب تبعات الاختيار بأبعاده المختلفة لكي لا نختار عصام شرف آخر...   
ولكي نتعلم من أخطاء الماضي، صار من المنطقي ألا نختار الأصلح أو الأفضل أو الأشرف فحسب، فالاختيار الذكي هنا هو اختيار الأنسب لكل منصب مع الأخذ في الاعتبار وقت الاختيار الحرج، سواء كان في ذروة الثورة أم في وقت استقرار ورخاء، وطبيعة الشعب المحكوم، وهل سيتقبل سياسات من اخترناه - مهما كانت مثالية - أم سيرفضها وتتعرقل مسيرة الاصلاح، وأيضا طبيعة القوى السياسة الموجودة على الساحة والخريطة المتوقعة لقوتها وتمثيلها في البرلمان، مع توافر المعايير الأخرى كالنزاهة والخبرة بالطبع.
ولهذا امضيت الأشهر الماضية في البحث عن الحزب المناسب للفترة الحالية، والذي أراه باجتهادي المتواضع الأصلح والأنسب لمصلحة الوطن، وقد وجدت ضالتي في حزب الوسط... وفيما يلي الأسباب التي دفعتني إلى هذا الاختيار، وثقتي فيه، بل وتزكيته لأصدقائي ومعارفي.

اولا: تاريخ الوسط

عادة ما تبدأ الاحزاب بالتحدث عن تاريخها، فكل حزب له تاريخا مشرفا ما، وهو ليس بالضرورة ذو اي دلالة على حاضره، فهناك احزابا عريقة لها تاريخ طويل في الكفاح الوطني صارت غير فاعلة اليوم نتيجة موت حلم المؤسس أو تغيره،ومنها من صار مرتعا للفلول ورجال الاعمال الطامعين في القوة، ولكن حين يكون من أسس الحزب هو من يزعمه حاليا، فان تاريخه يعطيك نبذه عن امكانيات الحزب وما وما يمكن ان يحدثه من تغير.
ومع ذلك فانا لا اتحدث عن تاريخ الوسط، اذ إن معظمنا يعرف قصة انفصالهم عن الاخوان ونضالهم لتأسيس حزب من عام 1996، ولكني ساتحدث قليلا عن احداث قد تكون غائبة لدى البعض، كسبب انفصالهم عن جماعة الاخوان المسلمين، فعكس ما يظنه البعض، وعكس ما بررت به قيادات الاخوان وقتها، لم يكن سبب الانفصال رفض جماعة الاخوان تأسيس حزب سياسي في ظل العهد البائد فحسب، ولكن كان من اهم أسباب الانفصال كما اوضحها عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط كان الفكر الإقصائي الشمولي كما وصفه أ/عصام في احدى اللقاءات (رابط الفيدو في آخر المقال)، كما اوضح في نفس اللقاء ان اختلاف مؤسسي الحزب مع ادارة الاخوان والطريقة التي تدار بها الجماعة يعود إلى قبل الانفصال بـ10 أعوام، وأن ذلك كان اخر خيار بنسبة لهم، لكنهم لم يجدوا بد منه بعد ان كان فرض الرأي وعدم وجود نقاش سياسي داخل الجماعة قد بلغ مبلغه، وقد ايدهم في ذلك سياسيين كثر من الاخوان وخارجهم، مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور رفيق حبيب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة حاليا وجورج اسحق مؤسس حركة كفاية وغيرهم، فالاخوان كجماعة لم يكونوا مستعدين للتوغل في السياسة، وكان جل همهم العمل الميداني والنزول إلى الشارع، بينما كان مؤسسي الحزب من المفكرين والسياسيين المخضرمين وأرادوا احداث تغيير حقيقي عن طريق العمل السياسي الديمقراطي.

ومن الجدير بالذكر ان الوسط لم يتوقف بعدما رفضت الهيئة العليا للأحزاب طلب إنشاء الحزب، فقد ظل مؤسسوه يتقدموا بالطلب وراء الطالب، ويخوضوا حربا في المحاكم، وفي نفس الوقت كان لابد من اثراء الجانب الميداني ايضا لأنه الحزب المقتصر على السياسة هو حزب على ورق فقط، فدخلوا حقل العمل الميداني حتى يتركوا الاثر المطلوب في الشارع خلال العشر سنوات السابقة للثورة (شاهد الوثائقي عن حزب الوسط قبل الثورة)

ثانيا: المواقف
كما ذكرنا لم يقتصر الوسط على العمل السياسي فقط، فلم ياخذ الموقف السلبي الذي اخذته معظم احزاب ما بعد الثورة في ان يأسوا من العمل السياسي، أو يأسوا من العمل الميداني، أو كلاهما معا كسائر الاحزاب التي لم يكن لها وجود وتحججت ببطش نظام مبارك، كما كان الوسط ولا يزال متقبلا للاخر يتعاون لمصلحة الوطن، فكان من أبرز المشاركين في الجمعية الوطنية للتغير، وشارك مؤسسيه في الثورة منذ أول يوم وحتى تنحي مبارك.
وجاءت مواقف الوسط بعد الثورة لتعكس تمرسه السياسي وتوجهه الثوري، فقد كان دائم الرفض لعروض الحكومة القاصرة ومطالبا دائما بما هو افضل، مما يوضح اهمية الموقف الثوري لدى احزاب المعارضة، فالتوجه الاصلاحي نادرا ما يؤتي ثماره في اوقات الثورة، أو حتى كمعارضة في وجود حكومة اصلاحية ايضا... والتوجه الاصلاحي هنا يمثله موقف الاخوان وبعض الأحزاب الأخرى القابل بمعظم المهادنات والغير ممانع للتفريط في المطالب الأساسية، بينما كانت الكتل السياسية الأبرز والأكثر اصرارا على المطالب في مواجهة العسكري هي 6 ابريل وائتلاف شباب الثورة وحزب الوسط.

ثالثا: الفكر

كانت من اهم التغييرات التي بدأ بها حزب الوسط لدى نشأته في العقد الماضي هي ترجمة الشعارات البراقة لبرامج حقيقية تعكس رؤية سياسية واضحة ومتفقة مع الشعارات التي يرفعها الحزب، مما يدل على نضج التوجه السياسي فالبرامج ذات طابع سياسي لا هي مبنية على العمل الميداني فقط، ولا هي تفتقر إلى توجه فكري يكون بمثابة العمود الفقري للبرنامج مثل معظم احزاب مابعد الثورة التي ليس لها توجه واضح وتحاول ان ترضي جميع الاطراف مما سيؤدي قطعا إلى عدم رضا جميع الأطراف.
ومن اهم مميزات حزب الوسط كفكر، الطريقة التي يدار بها الحزب، فالقرار يأخذ في الحزب بمنتهى الديمقراطية كما يسمح لكل الاعضاء بالمشاركة حتى الاعضاء الجدد، و بالطبع ليس هناك قرارات تأخذ من وراء ستار فلا يعرف لها سبب مثل قرارات النزول وعدم النزول، فالشفافية في التعامل هي أساس في أي حزب ناجح.
واخيرا فان المرجعية الاسلامية تعتبر من اهم النقاط التي تشكل فكر الوسط، فهي التي تجعل الحزب يلتزم بالشريعة فلا يقبل بأن يقر قانون أو يسكت على قانون قائم يخالف المبادئ أو الأحكام التي وردت فيها نصوص قطعية الدلالة ولكنه يوجد آلية قابلة للتنفيذ برؤية سياسية خبيرة وهو فى نفس الوقت يفصل فصلا كاملا بين دور الدعوة ودور الدولة، وتلك المرجعية ايضا هي التي تجعل من القضايا العربية والاسلامية كالقضية الفلسطينية على اجندة الحزب لدى دخوله البرلمان.

اخيرا: ملخص الاسباب والتحليل
1- برلمان ما بعد الثورة لا شك ستكون الاكثرية فيه للاخوان، وهم ذوي فكر اصلاحي يصلح لوضع خطة اصلاحية طويلة المدى، وتطوير أجهزة الدولة شيئا فشيئا حتى تتغير، وقد يكون هذا ما يريده البعض في اوقات الاستقرار، لكننا قطعا لسنا في وقت الاستقرار، بل نحن في امس الحاجة إلى المواقف الثورية داخل البرلمان حتى يتسنى لنا استئصال الفلول وتطهير أجهزة الدولة في اسرع وقت، وهنا تأتي ادور الاحزاب الثورية مثل الوسط حتى لو كانت اقلية داخل البرلمان فستقوم من أداء الأغلبية.
2- لا يمكن تمرس الشيء بدون التفرغ له، فلم يجعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وحزب الوسط بعد انفصاله عن الجماعة اصبحت السياسية شغله الوحيد، فلا هو جماعة جل خبرتها في العمل الميداني والرقابي، ولا هو يستقي خبرته واسمه من مواقفه في الميدان وحدها، والتي لا تكفي كخلفية لوضع دستور قوي.
3-  المرجعية الاسلامية هي الضامن الوحيد على ان من تعطيه صوتك لن يخالف الشريعة في نص صريح، وهي تعكس مدى اهتمام الحزب بالحفاظ على هوية مصر كدولة عربية اسلامية حرة، وهو ما سينعكس في امور مثل التعليم والإعلام.
روابط:
وثائقي عن الوسط قبل الثورة : http://www.youtube.com/watch?v=CKxVB7Q7Tjw
http://www.youtube.com/watch?v=8jpD2lsH_n0&feature=related سبب انفصال الوسط عن الجماعة