قد اتفق مع فهمي هويدي في أن الاستفتاء اضر المجتمع كثيرا ،ولكن لم تكن الخسائر هي فوز رأي على رأي أو تغليب حزب على حزب ،بل كانت اكبر الخسائر نسبة ال77.2% التي ثبتت على صوت واحد على النقيض تماما من الحوار المجتمعي الذي تمتع بتنوع صحي في الاراء ، وتلك الاغلبية إن دلت فهي تدل على غياب وعي وفقدان ثقة خطير بين اطياف المجتمع .
من الذي ربح ؟
من قال ان السيناريوهات المطروحة للنعم قد فازت بتايد الاغلبية واستحسانهم عن السيناريوهات المطروحة للا فهو قطعا لا يجيد استقراء المناخ السياسي الذي قام في ظله الاستفتاء، فبالرغم من الحوار المجتمعي الرائع الذي دار لمناقشة التعديلات فقد كان هذا الحوار محصورا بين السطح المجتمعي ولم يلمس قاعه البته، ماحدث كان فوزا للاغلبية المنساقة وراء رجال الدين الاسلامي على المنساقين وراء مادونهم اولا، وفوزا لدعاة الاستقرارعلى دعاة الاصلاح ثانيا، وهما فوزان لا علاقة لهم بالاستفتاء الدستوري الحقيقي بكل حال من الاحوال... ويمكننا استقراء هذا الواقع من مراقبة لجان الاقتراع حيث ان معظم المراقبين في الاقاليم اشتركوا في رؤية تقريبية لديموغرافية المقترعين وهي أن النعم للمسملين ولا للاقباط -وهذا طبقا لتأكيدات الهيئات المراقبة في اتصالاتي معهم خلال مراقابتي للجان الاستفتاء- ويمكننا ايضا استقراء ذلك الاستنتاج من اقتراب نسب النعم/لا من نسب المسلمين/اقباط في بعض المحافظات، مثل محافظة مرسى مطروح التي اختارت نعم بنسبة 93%، وهي نسبة من الصعب تخيل وجودها اذا كان الامر متروكا للتحليل الفردي للناخبين... هناك أسباب اخرى بالطبع لفوز النعم لكن يصعب تخيل إنها كانت مؤثرة بالقدر الكافي ، واعتبارها هي المؤثر الأول في النتيجة يماثل تفسير أحدهم لتصويت عم احمد الفلاح البسيط بنعم بانه يخاف على البورصة المصرية من الانهيار !!
عم احمد لم يستطع فهمه ان يحيط بما ستؤول اليه الاحداث في الحالتين ،فاحتاج إلى من يبسطها له، واختار صوته على قدر فهمه للتبسيط الذي سمعه ،فالتبسيط في تعريفة يعني التخلص من المعلومات الغير هامة من وجهة نظر المتكلم، بمعنى إن عم احمد اختار ماأراد له مخاطبه ان يختار... وهو ليس عيبا كما ترون في رجال الدين، لكنه عيبا في الجهل، فالشعب المصري به نسب مرتفعة من الجهل وقد صدف ان يكون متدينا (مسلما كان أو قبطيا)، بمعنى انه لو لم يكن كذلك، لوجد سببا اخرا لينصاع خلفه… وهي سمة الشعوب حديثة العهد بالديموقراطية.
فرض الرأي
ولذلك لم تكن النعم وحدها من فرضت رأيها مستعينة بالدين، بل استعان كل من ارد نشر رأيه وتلقينه لمجتمع من غير مثقفين بذلك ، فكان هناك دعاوى من بعض القساوسة والليبرالين بالتصويت بلا وربط النعم بقيام دولة اسلامية طالبانية في مصر، وقد لا يرجع كل هذا لخطأ المتكلم بل لجهل المستمع وعدم تحريه لصحة مايسمع، ولذلك يلجأ البعض في تبرير فرض اللا إلى الرد على التيار العاتي للانصياع الاعمى، ولكن نسوا أن الانصياع لا يواجه بديكتاتورية الرأي كما أن الخطأ لا يواجه بخطأ مثله.
فرض الرأي باستخدام الدين(http://bit.ly/hrbi7U (http://bit.ly/e2KdJE)( – باستخدام دكتاتورية الرأي (http://bit.ly/fodrhw)
السذاجة السياسية
وفي خضم التكتل الذي أحدثه الاستفتاء، يمكننا تفسير ذلك التكتل في ضوء عدم اتضاح الرؤى وتخوف الفريقان من بعضهما، ورفضهما للاستماع إلى الآخر، فلم تكن نتائج الاستفتاء لتخدم مصالح طرفا دون الآخر على اية حال... فدخول الاخوان بقوة في البرلمان حادث لا محالة، وهو غير مرهون بنتائج الاستفتاء، كما أن قيام دولة طالبانية في مصر من المستحيلات ببساطة لأن حتى اكثر التيرات الدينية تشددا لا تطالب به، وبالمثل لن يحدث في مصر حتى لو كان البرلمان بأكمله ليبرالي أن تجد الشذوذ مباحا على سبيل المثال ببساطة لأن الديمقراطية تعني حكم الشعب، والشعب بطوائفه المؤثرة متحفظ ويكره الفجور.. أي ان كل تخوفات الفرق من بعضها غالبا محض سوء فهم مدفوع بحسن النية (أو في قليلا من الحالات اجندة تخدم مصالح فئوية).
السذاجة السياسية للفريقين (النكت التي ظهرت عن وصول الاخوان للحكم - غزوة الصناديق(http://bit.ly/fhRbsi))
اللهو الخفي والاتجار بالدين
طبعا كلنا نتفق على معاداة الاتجار بالدين، ولكن قد نختلف في تعريفه، ونختلف في تحديد من يمارسه، وقد ظهرت اخيرا اتهامات تتطاير في كل حدب وصوب تتهم بعض الفئات بالاتجار في الدين، وكان من ابرز المتهمين الاخوان المسلمون والطريقة السلفية والكنيسة .. بداية دعنا نعرف الاتجار بالدين، الاتجار بالدين هو كل استخدام للدين لتحقيق أهداف فئوية أو شخصية ، اذن فأي فريق يربط الدين برأيه يكون قد ارتكب تلك الجريمة ، وأي داعية يحدث برأيه -حتى لو كان استحسانا- من على المنبر للتأثير على الناس يدخل ايضا تحت طائلتها لانك حتى وأن قدمت اسبابك لتقنع العقلاء ممن يسمعوك، فلن تمنع الجهال من خلط رأي الدين برأيك.
الآن حان وقت المتهمين ،اولا الاخوان: الاخوان كجماعة يعتبروا تيار سياسي ، ولذلك من الطبيعي أن يساندوا رأيهم، لكن الخارج عن الطبيعي ان يروجوا لفتوى وجوب التصويت بنعم ، وطبعا استند من يتهموهم بذلك إلى يافطات كانت معلقة وعليها شعار "وأعدوا" الخاص بالاخوان.. وطبعا لأن الاخوان جماعة سياسية ويعرفون أن فعلا كهذا سيضر بمصلحتهم اكثر مما سيفيدها فسارعوا بنفي ارتباطهم بتلك اللافتات، مما يستبعد القيادة العليا -في رأيي- من اصدار هذا القرار، فهو اما صدر من احد الاعضاء أو القيادات التنفيذية نتيجة جهل ، أو كما يدعون هو مدسوس عليهم ، ولكن من دسه لابد أنا يكون من مريدي نعم (من الغباء ان تصدر فتوى بوجوب شيء إذا كنت لا تريده)ويكون من كارهي الاخوان (وهي تنطبق على أي حزب سياسي) وصاحب ذمة مهترئة (ايضا أي حزب سياسي (وهي مواصفات تنطبق على احزاب عدة ابرزهم الوفد (والذي استعان بألعاب قذرة في هذا الاستفتاء بالذات مثل اشاعة تراجع حمزاوي عن اللا) .
ثاني المتهمين، هم السلفية، والسلفية ليست جماعة لها ملامحها، بل هي مذهب ديني به الكثير من مدارس الفكر، وللاسف فقد وقع الكثير من السلفيين في خطأ الاتجار بالدين (لم تصل إلى حد التحريم والوجوب أو التكفير ولكنها تعتبر اتجارا)، كما ظل الكثير منهم ايضا بعيدا عن التوجيه فوق المنابر بحكمة يحسدون عليها، ولكن المتفق عليه بين معظم السلفية كان الرأي نعم، وبما أن السلفية ليسوا بحزب سياسي فمن الطبيعي ألا يكون لهم هدف ورؤية سياسية موحدة، اذن فعلى ماذا كان هذا الاتفاق ؟ رأيي الشخصي أن الدعاة الاسلاميين البعيدين عن السياسة خافوا على دينهم وظنوا ان هناك مؤامرة ما تحاك ضدهم (خصوصا بعد نقاش المادة الثانية) وحاولوا التكتل والتجمع باي شكل لحماية دينهم ، واغفلوا أن الشعب المصري لن يترك مساحة لالغاء المادة الثانية سواء تحركوا ام لم يتحركوا… وكان امامهم خياران، اللا التي بها الاقباط ،المثقفين من العلمانيين والليبرالين والمسلمون، أو النعم التي بها الاخوان… وطبعا لايحتاج الامر لمحلل استراتيجي لمعرفة إلى أي جانب سيميلون.. أي ان اختيارمعظمهم للنعم كان تكتل لمجرد التكتل ،وقد قالها الشيخ محمد حسين يعقوب صراحة في خطبة غزوة الصناديق (وهذا لا ينفي اختيار الكثير من السلفية النعم عن اقتناع مثل الشيخ محمد حسان).
الخلاصة أن الاتجار غالبا كان جهلا، واكبر مؤثر ديني كان شيوخ المساجد الصغيرة، الذين ظنوا ان النعم في مصلحة الدين فعلا فمضوا يخطبون في الناس بوجوب النعم، فكان المجرم الوحيد هنا هو الجهل.
التيارات الاسلامية بين دخول رجال الدين في السياسة ودخول الدين لرجال السياسة
كلنا يعلم مقولة الشيخ الشعراوي الشهيرة "أتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسه و أن لايصل أهل الدين إلي السياسه"، ولأن الاخوان المسلمين هم التيار الديني الوحيد المؤهل سياسيا فيمكننا القول أن الاخوان هم الجزء الاول من المقولة ، لذا فوصلهم إلى السلطة يعني ضمنيا تحسن الوضع السياسي (مقارنة بما كان ( اما الجزء الثاني من المقولة فهو كارثة سياسية ، فرجل الدين حين يكون غير مؤهل للخوض في السياسة ثم يخوض فيها ، يكون بذلك قد افسد السياسة على الساسة، وافسد الدين على ابناء دينه ، ولمنع هذا من الحدوث فان سن قوانين ضد هذا الفعل يعتبر افتراء على حرية التعبير ، ويكفي ان نظام مبارك البائد نفسه لم يكن يجرم ذلك )وإن كان يمنعه فعليا)، لذا فالحل الاصلح هو رفع وعي رجال الدين السياسي لكي يستغلوا المنابر في التفنيد بدلا من التوجيه وفي الحث بدلا من التلقين.
دينية السلفيين ومدنية الاخوان وديموقراطية الليبراليين
لدى مشاهدة ذلك المشهد في فيلم عمارة يعقوبيان والذي هتف فيه المتظاهرون "عايزنها اسلامية، اسلامية" تكونت لدى البعض فكرة عما قد يؤول اليه الحال إذا وصل الإسلاميون أو الاخوان إلى الحكم … الجلاليب هي الزي الرسمي ، جماعات النهي عن المنكر تسيطر على الشارع وتجلد الناس ، يتم القبض على غير المحجبات ، حتى وصل الامر للسخرية من الحال بعد الاستفتاء بان "كلمني شكرا" ستصبح "كلمني جزاك الله خيرا" ومارينا سيتم تسميتها "شاطيء الشيماء" حيث المايوه الشرعي فرضا قانونيا... والحقيقة هذا لا يعكس جهل بالتيارات الاسلامية في مصر والدين الاسلامي ككل فقط ، بل يعكس ايضا مرضا مجتمعيا متفشيا وهو الاسلاموفوبيا...
ولتوضيح المفهايم لن نبدأ بتعريف الدولة الثيوقراطية والدينية والمدنية فلقد حفظنها مرارا وتكرارا، ولكننا سنعرف دولة السلفيين الدينية، ودولة الاخوان المدنية ودولة الليبراليين الديمقراطية... بادئ ذي بدء يريد السلفيين دولة اسلامية بمعنى إنها تطبق الشريعة الإسلامية... وذلك الفكر يتراوح بين تطبيق الحدود في ظل حياة سياسية سليمة ديموقراطية، وبين الغاء الحياة السياسة بالمرة والعمل بنظام بديل وهو الخلافة... وبالطبع فان وجهة النظر الأخيرة قلما تجد مؤيدين من العامة ، وحتى المؤمنين بها ليست لديهم الخبرة الكافية لكي يعملوا على تحقيقها ، أي انها لن تتحقق سواء اردنا ام لم نرد … والسلفية بوجه عم لن يصلوا إلى مراكز اتخاذ القرار لانه تنقص معظمهم السياسة الكافية لذلك... اما عن مدنية الاخوان فهم يريدونها حرة تلتزم بالمرجعية الاسلامية ، أي انها لا تزيد شيئا عن دولة مبارك من ناحية الالتزام بالشرع إلا جزء الحرية والديمقراطية المطلوبة … ومن المفارقات أن الليبراليين يريدون نفس الدولة ، مع الاختلاف على حيثيات بعض القوانين والتي ليس لها مجالا في الدستور أصلا بل هي من اختصاصات مجلس الشعب… أي ان معظمنا نتفق على ملامح الدولة المطلوبة ، ومع ذلك يتخوف بعضنا من فهم البعض الآخر لذلك المفهوم، سواء لجهله بثقافة الطرف الاخر أو لعدم ثقته به.
الاسلاموفوبيا والعلمانوفوبيا
نريدها مدينيقراطية !!
لم يكن ماسبق تشاؤما أو تذمرا، وانما كان تحليلا لمسببات الأمور، ولم يكن تحذيرا من فئة ما، وانما كان دعوة للتوعية وعدم تكرار اخطاء الماضي … فقد كانت احد اهم الاسباب التي اخترت التصويت بلا من اجلها هي المهزلة التي تحولت اليها بعض عمليات التوعية ، فأصبحت مسابقة لفرض الرأي والخداع بدلا منها توضيحا لعقبات الامور… فخوفي من أن تتكرر تلك المهزلة على نطاق اكبر في الانتخبات البرلمانية يجعلني افقد ثقتي في البرلمان القادم عاجلا جاء ام آجل... ولذا فضلت أن يختار المجلس الأعلى اللجنة التأسيسية خيرا من أن يختارها برلمان انتخب في نفس ظروف الاستفتاء، فكان من رابحيه المنافقون والمتاجرون بالدين... فلنأمل ان أكون مخطئا... وكفانا تشاؤما، فقد أنزلنا20 مليونا من بيوتهم في اقل من شهر، افلا نستطيع حثهم على سماع اكثر من رأي في ستة أشهر؟
لذا يبقى ان نستخلص مما حدث ما يمكن أن نتفادى به تكرار حدوث تلك الفرقه، وأولها هي نشر ثقافة تقبل الآخر بين طبقات المجتمع الدنيا ، وتوضيح علاقة الدين بالسياسة والتفرقة بينها وبين توجيهات رجال الدين . اما ثانيها، فهي محاربة المتاجرين بالدين بايجابية ..فلقد علمنا أن تلك المتاجرة هي اوسع الطرق للحياد عن الديموقراطية، وأن قطع ذلك الطريق يكمن في رفع وعي رجال الدين انفسهم ،فكم منا قد سمع خطيب الجمعة وهو يوجه الناس توجيها وكان رده الصمت؟ لقد انتهى عصر الصمت حين علمنا ان بصمتنا هذا افسدنا عقول المستمعين ، فوجب علينا رده بأدب بعد انتهاء الخطبة، وحتى وإن لم ياخذ بنصحنا فلعله يخاف الخوض فيها مرة اخرى خشية الناس .
وبالرغم من انها خطوات سهلة، وقد تصل إلى معظمنا بدون تحليل الاوضاع، لكن يبدو انا قررنا ان نتعلمها بالطريقة الصعبة... فلنأخذ منها العظة اذا ،تلك العظة التي ستعيدنا إلى الحلم الذي حلمنا به ذات مرة ونحن نسمع دوي المدافع في ميدان التحرير ونتهم بخراب بلادنا وديارنا... فننظر إلى السماء ونصطبر لاننا كلنا ثقة وأمل أننا سنصل إلى ذاك الحلم يوما ، نصبر لاننا نعلم علم اليقين انه سيأتي يوما يكون لنا صوت، ونكون نحن -ابناء مصر- ملاكها… فدعنا لا نكن كمن وصلوا إلى غايتهم، وبدلا من أن ينعموا بها ، تنازعوها، فلا هم تمتعوا بها ،ولا هم تركوها وشأنها فأهلكهم النزاع جميعا.
No comments:
Post a Comment